فصل: ما يبْطلُ به حَدّ الْقَذْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ:

قَدْ تَقَدَّمَ حَقِيقَةُ الزِّنَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَكَيْفِيَّةُ إثْبَاتُهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفَاصِيلِهِ وَبَدَأَ بِبَيَانِ الشُّبْهَةِ فَقَالَ (الشُّبْهَةُ) وَهِيَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِثَابِتٍ أَوْ اسْمٌ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ، وَالْخَطَأِ، وَالصَّوَابِ (دَارِئَةٌ) أَيْ دَافِعَةٌ (لِلْحَدِّ) عَنْ الْوَاطِئِ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى شُبْهَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَبِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى يَسْقُطُ أَيْضًا الْإِكْرَاهُ خَاصَّةً فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِكْرَاهِ (وَهِيَ) أَيْ الشُّبْهَةُ (نَوْعَانِ) هَذَا مَسْلَكُ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ، وَالْكَنْزِ لَكِنْ فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فِي الْمَحَلِّ وَفِي الْفِعْلِ وَفِي الْعَقْدِ وَلَا يُمْكِنُ دَرْجُ الثَّالِثَةِ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا عَلَى الْجَانِي وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحُرْمَةِ (شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ) أَيْ الْوَطْءُ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ أَيْ شُبْهَةَ الْمُشْتَبَهِ الْمُعْتَبَرِ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ (وَهِيَ) أَيْ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ (ظَنُّ غَيْرِ الدَّلِيلِ) عَلَى حِلِّ الْفِعْلِ (دَلِيلًا) عَلَيْهِ (فَلَا يُحَدُّ فِيهَا) أَيْ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ (إنْ ظَنَّ) الْوَاطِئُ (الْحِلَّ) قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ إنْ ادَّعَى الْحِلَّ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِدَعْوَى الظَّنِّ لَا لِلظَّنِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إنْ لَمْ يَدَّعِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الظَّنُّ وَلَا يُحَدُّ إنْ ادَّعَى وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الظَّنُّ تَأَمَّلْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْحِلَّ (يُحَدُّ) قَالُوا هَذِهِ الشُّبْهَةُ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَاصِلَةٌ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأُصُولِ وَإِلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَوَطْءِ مُعْتَدَّتِهِ مِنْ ثَلَاثٍ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مَقْطُوعٌ بِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ اشْتِبَاهٌ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً عِنْدَ ظَنِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ، وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ مَا إذَا وَقَعَهَا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا.
وَفِي الْبَحْرِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ (أَوْ) كَوَطْءِ مُعْتَدَّتِهِ (مِنْ طَلَاقٍ عَلَى مَالٍ) وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامُ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَمُرَادُهُمْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ (أَوْ) كَوَطْءِ (أُمِّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا) لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ أَوْ كَوَطْءِ (أَمَةِ أَصْلِهِ) أَيْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.
(وَإِنْ عَلَا) مِنْ الْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ فَإِنَّ اتِّصَالَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ لِلِابْنِ وِلَايَةَ وَطْءِ جَارِيَةِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْعَكْسِ (أَوْ) كَوَطْءِ (أَمَةِ زَوْجَتِهِ) فَإِنَّ غِنَى الزَّوْجِ بِمَالِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى} أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ قَدْ يُورَثُ شُبْهَةَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجَةِ مِلْكٌ لِلزَّوْجِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ الْإِغْنَاءِ نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» عَلَى أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ كَمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ نِسْبَةِ الْإِغْنَاءِ نِسْبَةً مَجَازِيَّةً لَا يُنَافِي إيرَاثَ الشُّبْهَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ إغْنَاءَهُ بِمَالِ خَدِيجَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ تَأَمَّلْ.
(أَوْ) كَوَطْءِ أَمَةِ (سَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِمَالِ الْمَوْلَى عَادَةً مَعَ كَمَالِ الِانْبِسَاطِ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ يَكُونُ مَعْذُورًا.
(وَكَذَا وَطْءُ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ) فَإِذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحَدِّ يَجِبُ الْحَدُّ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي التَّبْيِينِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَالِيَّتِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ يُحَدُّ سَوَاءٌ ظَنَّ أَوْ لَا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ وَكَجَارِيَةِ أَخِيهِ فَيُحَدُّ وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ لَا يُحَدُّ إذَا قَالَ إنَّهَا مَحَلٌّ لِي وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَى حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ وَأَطْلَقَ فِي ظَنِّ الْحِلِّ فَشَمِلَ ظَنَّ الرَّجُلِ وَظَنَّ الْجَارِيَةِ فَإِنْ ظَنَّاهُ فَلَا حَدَّ وَإِنْ عِلْمَا الْحُرْمَةَ وَجَبَ الْحَدُّ وَإِنْ ظَنَّهُ الرَّجُلُ وَعَلِمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا حَدَّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَ) النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الشُّبْهَةِ (شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ مِلْكٍ وَشُبْهَةً حُكْمِيَّةً (وَهِيَ قِيَامُ دَلِيلٍ نَافٍ لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ) أَيْ إذَا نَظَرْنَا إلَى الدَّلِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ يَكُونُ مُنَافِيًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ (فَلَا يُحَدُّ) الْجَانِي (فِيهَا) أَيْ فِي الشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ.
(وَإِنْ) وَصَلْيَةً (عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلَ) فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَضَافَ مَالَ الْوَلَدِ إلَى الْأَبِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ فَقَالَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَلَمْ يُثْبِتْ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ شُبْهَته عَمَلًا بِحَرْفِ اللَّامِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (أَوْ) كَوَطْءِ (مُشْتَرَكَتِهِ) فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا دَلِيلُ جَوَازِ الْوَطْءِ (أَوْ) كَوَطْءِ (مُعْتَدَّتِهِ بِالْكِنَايَاتِ) بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ مَثَلًا وَأَرَادَ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الثَّلَاثَ، ثُمَّ جَامَعَهَا فِي عِدَّتِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إنَّ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعُ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ (دُونَ الثَّلَاثِ) لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ الثَّلَاثِ صَرِيحًا فَقَدْ مَرَّ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَإِنْ أَرَادَ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ فَلَيْسَ حُكْمُهَا ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ قُبَيْلَهَا، وَالصَّوَابُ التَّرْكُ تَأَمَّلْ.
(أَوْ) كَوَطْءِ (الْبَائِعِ) الْأَمَةَ (الْمَبِيعَةَ أَوْ) كَوَطْءِ (الزَّوْجِ) الْأَمَةَ (الْمَمْهُورَةَ) أَيْ الَّتِي جَعَلَهَا صَدَاقًا لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا (قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) أَيْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَهُ فِي الْفَاسِدِ، وَالْمَبِيعَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَمْهُورَةِ إلَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعَةِ وَكَوْنِ الْمَهْرِ صِلَةً أَيْ غَيْرَ مُقَابَلٍ بِمَالٍ دَلِيلُ عَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ فَلَا يُحَدُّ الْوَاطِئُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي هَذِهِ) أَيْ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ (عِنْدَ الدَّعْوَةِ) لِعَدَمِ تَمَحُّضِهِ زِنًى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ (لَا فِي الْأُولَى) أَيْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ادَّعَى) لِتَمَحُّضِهِ زِنًى وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ، وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْحَالِ عَلَيْهِ هَذَا لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى الْعُمُومِ فَإِنَّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ.
(وَيُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ) أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرِ الْوِلَادِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ظَنَّ حِلَّهَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ.
(وَكَذَا) يَجِبُ الْحَدُّ (بِوَطْءِ امْرَأَةٍ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ) وَقَالَ حَسِبْتهَا امْرَأَتِي لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الظَّنُّ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (كَانَ أَعْمَى) لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ بِالسُّؤَالِ (إلَّا إنْ دَعَاهَا فَقَالَتْ) أَيْ أَجَابَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ (أَنَا زَوْجَتُك) فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَهُوَ دَلِيلٌ فِي حَقِّهِ وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَنَا زَوْجَتُك؛ لِأَنَّهَا إذَا أَجَابَتْ بِالْفِعْلِ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاقَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(لَا) يَجِبُ الْحَدُّ (بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ) أَيْ بُعِثَتْ (إلَيْهِ وَقُلْنَ) أَيْ النِّسَاءُ بِالْجَمْعِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَالْوَاحِدَةُ تَكْفِي فِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (هِيَ زَوْجَتُك)؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى إخْبَارِهِنَّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ لَكِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ (وَلَا بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَى فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ يَقْطَعُ التَّحَدُّثَ بِهِ.
(وَزَنَى فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا إذَا كَانَ أَمِيرُ الْمِصْرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَوْ خَرَجَ إلَيْنَا وَأَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ أَيْنَمَا كَانَ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ».
(وَلَا) يَجِبُ الْحَدُّ (بِوَطْءِ) امْرَأَةٍ (مَحْرَمٍ) لَهُ (تَزَوَّجَهَا) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَا وَلَكِنْ إنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ يَوْجَعُ بِالضَّرْبِ تَعْزِيرًا لَهُ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ الْمَحَارِمَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ فَصَارَ الْعَقْدُ لَغْوًا وَلَهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ مَحَلُّ النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنَاسُلُ وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لَهُ وَمَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ عَنْ الْمَحَارِمِ بِدَلِيلٍ لَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَتُهَا كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ هَذَا وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَغَيْرِهَا مِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
(أَوْ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا) فَإِنَّهُ لَا يَحُدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَجُلًا مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ الْحَدَّ عَنْهَا وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا (خِلَافًا لَهُمَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةٌ فَكَانَ زِنًى مَحْضًا قَيَّدَ بِالِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِهَا وَأَعْطَاهَا مَالًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك لَا زِنًى بِك لَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ لِيَزْنِيَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ، ثُمَّ جَامَعَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا.
(وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالتَّبْطِينِ، وَالتَّفْخِيذِ (يُعَزَّرُ) اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى أَمْرًا مُنْكَرًا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ.
(وَكَذَا لَوْ وَطْأَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (فِي الدُّبُرِ) فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَحَلِّ كَلَامًا؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى اتِّفَاقِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةَ اخْتِلَافِيَّةٌ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْعَطْفِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ تَأَمَّلْ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ (أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ)، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي قَوْلٍ يُقْتَلَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالْمَفْعُولَ» وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًى لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ، وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِإِتْبَاعِ الْأَحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَكَذَا أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْمِنَحِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ.
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُودَعُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ سِيَاسَةً وَفِي التَّبَيُّنِ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةَ قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي حُكْمِ السِّيَاسَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهَا لَمْ يَقُولُوا الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ دُبُرٌ وَكُلُّهُمْ قُبُلٌ؛ لِأَنَّ لَهُ لَيْسَ فِيهَا احْتِيَاجٌ لِدَفْعِ الْفَضَلَاتِ.
(وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيَّةٍ) مُسْتَأْمِنَةٍ (فِي دَارِنَا) فَلَا حَدَّ لَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ (حُدَّ الذِّمِّيُّ فَقَطْ) لَا الْحَرْبِيَّةُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِكَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُخَاطَبِينَ بِالْعُقُوبَاتِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيَّةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَيُحَدُّ إلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ (وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ إنْ زَنَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمِنٌ بِذِمِّيَّةٍ (حُدَّتْ الذِّمِّيَّةُ لَا الْحَرْبِيُّ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ حَقِيقَةُ الزِّنَى مِنْهَا فَيُحَدُّ خَاصَّةً (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ) لِمَا مَرَّ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدَّانِ)؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ فِي الْأَصْلِ فَأَوْجَبَ سُقُوطَهُ فِي التَّبَعِ.
(وَإِنْ زَنَى مُكَلَّفٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ) يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَلَوْ قَيَّدَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (حُدَّ) الْمُكَلَّفُ خَاصَّةً بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا (وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ إنْ زَنَى مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ بِمُكَلَّفَةٍ (لَا حَدَّ عَلَيْهَا) أَيْ الْمُكَلَّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يُحَدُّ الْمُكَلَّفَةُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الزِّنَاءَ وُجِدَ مِنْهَا وَسُقُوطُ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهَا (وَلَا حَدَّ بِزِنَى الْمُكْرَهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ زَانِيًا أَوْ مَزْنِيَّةً وَلَوْ أَكْرَه غَيْرُ السُّلْطَانِ يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خَوْفُ التَّلَفِ وَذَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا (وَلَا) يُحَدُّ (إنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ (بِالزِّنَى) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ (وَادَّعَى آخَرُ النِّكَاحَ)؛ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالزِّنَى وَقَالَ الْآخَرُ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ فَلَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ.
وَفِي الْمِنَحِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَائِبَةً وَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
(وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الزِّنَاءِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْفَاعِلَ (الْحَدُّ، وَالْقِيمَةُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَزِمَهُ (الْقِيمَةُ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ زَنَى بِهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا أَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ جَنَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الزِّنَاءِ فَدَفَعَتْ إلَى الزَّانِي بَعْدَ الزِّنَاءِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ أَمَّا لَوْ فَدَاهَا الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اتِّفَاقًا أَوْ زَنَى بِهَا، ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا أَمَّا لَوْ غَصَبَهَا، ثُمَّ زَنَى بِهَا، ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدَ بِالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِالْحُرَّةِ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ اتِّفَاقًا.
وَفِي الْحَقَائِقِ وَضْعُ هَذَا إذْ لَوْ زَنَتْ بِعَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ يُحَدَّانِ اتِّفَاقًا.
(وَالْخَلِيفَةُ) أَيْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ (يُؤْخَذُ بِالْمَالِ وَبِالْقِصَاصِ) إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَالْأَمْوَالِ إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَمْوَالَ (لَا بِالْحَدِّ)؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ مُفَوَّضَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الْقَاضِي بِخِلَافِ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ.

.بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَاءِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا:

(لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ) أَيْ بِمَا يُوجِبُهُ كَالزِّنَاءِ مَثَلًا (مُتَقَادِمٍ) أَيْ مُوجِبُهُ أَوْ سَبَبُهُ، وَهُوَ الزِّنَاءُ فَإِسْنَادُهُ إلَى الْحَدِّ مَجَازٌ (مِنْ غَيْرِ بُعْدٍ عَنْ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ مَشْرُوطٌ بِقُرْبِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَإِلَّا تُقْبَلُ.
وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُعْدُ عُذْرًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ فِي بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَالسِّتْرُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَوْرَةً سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِلسَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ يَكُونُ عَنْ عَدَاوَةٍ وَإِلَّا صَارَ فَاسِقًا آثِمًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَالْمِنَحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلًا مَشْهُورًا فَإِنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ الشَّهَادَةُ بِأَسْبَابِهَا (إلَّا فِي) حَدِّ (الْقَذْفِ)؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ.
(وَفِي السَّرِقَةِ يَضْمَنُ) السَّارِقُ (الْمَالَ) الْمَسْرُوقَ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّقَادُمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ لَكِنْ لَا يُحَدُّ السَّارِقُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ يَمْنَعُ إقَامَةَ الْحَدِّ بَعْدَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ، ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَمَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْحَدِّ (وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَعْدَ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُتَّهَمُ عَلَى نَفْسِهِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ وَتَقَادُمُ غَيْرِ الشُّرْبِ بِشَهْرٍ)، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَمَرْوِيٌّ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْإِمَامُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ بِمُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِنِصْفِ شَهْرٍ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ شَهِدُوا بِزِنًى مُتَقَادِمٍ حُدَّ الشُّهُودُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ لَا (وَ) تَقَادُمُ (الشُّرْبُ بِزَوَالِ الرِّيحِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ أَيْضًا) أَيْ كَتَقَادُمِ غَيْرِ الشُّرْبِ.
(وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنَاهُ بِغَائِبَةٍ) وَهُمْ يَعْرِفُونَهَا (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمْ وَيُحَدُّ (بِخِلَافِ سَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ) أَيْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَاءِ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِمَجْهُولَةٍ) أَوْ غَائِبَةٍ (حُدَّ) الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
(وَإِنْ شَهِدُوا، كَذَلِكَ) أَيْ شَهِدُوا وَجَهِلُوا الْمَوْطُوءَة (لَا يُحَدُّ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا الشُّهُودُ لِوُجُودِ النِّصَابِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا بِخَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّهَا تُتَصَوَّرُ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَتَهُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَوْ قَالُوا زَنَى بِامْرَأَةِ لَا نَعْرِفهَا، ثُمَّ قَالُوا بِفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَلَا الْمَشْهُودِ.
(وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ كُرْهًا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ الرَّجُلُ) لِاتِّفَاقِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى زِنَاهُ لَا الْمَرْأَةُ لِلِاخْتِلَافِ فِي طَوْعِهَا وَلَهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَاءَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا وَفِي إطْلَاقِهِ شَامِلٌ مَا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالطَّوَاعِيَةِ وَوَاحِدٌ بِالْإِكْرَاهِ وَعَكْسِهِ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ حَدَّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ سُقُوطِ إحْصَانِهَا بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُحَدُّونَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَاءِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ يَخْرُجُ كَلَامُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا.
(وَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي بَلَدِ الزِّنَاءِ) أَمَّا فِي حَقِّهِمَا فَلِاخْتِلَافِهِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلِلشُّبْهَةِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَاءِ (فِي بَلَدٍ) مُعَيَّنٍ (فِي وَقْتٍ) مُعَيَّنٍ (وَأَرْبَعَةٌ بِهِ) أَيْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى بِالزِّنَا (فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَلَدٍ آخَرَ) لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ أَمَّا فِي حَقِّهِمَا فَلِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْجَمِيعُ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلِّ فَرِيقَيْنِ يَعْنِي مَعَ وُجُودِ النِّصَابِ إذْ بِدُونِهِ لَا يَجْرِي ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ وَبِدُونِ احْتِمَالِ الصِّدْقِ لَا يَجْرِي وُجُودُ النِّصَابِ.
(وَكَذَا) لَا يُحَدُّ أَحَدٌ (لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَاءِ (وَهِيَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ (بِكْرٌ) أَيْ يَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُنَّ يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ فَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ وَكَذَا فِي الرَّتْقِ، وَالْقَرْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُعْمَلُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَاءِ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ (أَوْ هُمْ) أَيْ الشُّهُودُ (فَسَقَةٌ) سَوَاءٌ عُلِمَ فِسْقُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَأَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ (أَوْ شُهُودٌ عَلَى شُهُودٍ)؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِمْ زِيَادَةَ شُبْهَةٍ وَهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الزِّنَاءِ، بَلْ حَكَوْا شَهَادَةَ الْأُصُولِ بِذَلِكَ، وَالْحَاكِي لِلْقَذْفِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا فَلَا يُحَدُّونَ وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى الْأُصُولِ بِالْأَوْلَى.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَى (الْأُصُولُ بَعْدَ ذَلِكَ) لِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ هَذَا فِي الْحُدُودِ وَفِي غَيْرِ الْحُدُودِ تُقْبَلُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْمَالِ مَعَ الشُّبْهَةِ.
(وَحَدُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي زَوَايَا الْبَيْتِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَاءِ فِي زَاوِيَةٍ وَكَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تُقْبَلُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَيْفَ مَا كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ، وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَفِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا أَوْ فِي ثِيَابِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ.
(وَ) حَدُّ (الشُّهُودِ فَقَطْ) إذَا طَلَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (لَوْ كَانُوا عُمْيَانًا) فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ (أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ) كَانُوا أَيْ الشُّهُودُ (أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ) وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا ذُكِرَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ تَأَمَّلْ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدُّ بِهِمْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَاءُ وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً.
(وَكَذَا) أَيْ حَدُّ الشُّهُودِ فَقَطْ (لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الشُّهُودِ (عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا) فِي قَذْفٍ (بَعْدَ حَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ (وَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ رُجِمَ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَخَطَؤُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ فِي مَالِهِمْ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ.
(وَأَرْشُ جُرْحِ ضَرْبِهِ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (أَوْ مَوْتِهِ مِنْهُ هَدَرٌ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِالزِّنَى، وَالزَّانِي غَيْرُ مُحْصَنٍ فَجُلِدَ فَجُرِحَ أَوْ أَفْضَى إلَى الْمَوْتِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَالْأَرْشُ هَدَرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْشُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الرَّجْمِ وَلَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْجَارِحَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيُقْصَرُ عَلَى الْجَلَّادِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ) وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ أَرْشَ الْجُرْحِ أَوْ مَوْتَهُ هَدَرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَالْمَوْتِ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ رَجَعُوا) الشُّهُودُ (بَعْدَ الرَّجْمِ) أَيْ رَجْمِ الْمُحْصَنِ (حُدُّوا) أَيْ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُحَدُّونَ قَيَّدَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يُحَدُّونَ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِبَعْدِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْجَلْدِ يُحَدُّونَ اتِّفَاقًا (وَغَرِمُوا الدِّيَةَ)؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُونَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا غَرِمُوا الدِّيَةَ اتِّفَاقًا (وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الشُّهُودِ (رَجَعَ) صِفَةُ كُلِّ (حُدَّ) خَبَرُ كُلٍّ (وَغَرِمَ رُبُعَهَا) أَيْ رُبُعَ الدِّيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَاءِ بِغَيْرِهَا فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ إجْمَاعًا وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّونَ وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ لِانْفِهَامِهَا مِنْهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ خَمْسَةٍ) الَّذِينَ شَهِدُوا بِهِ وَرُجِمَ لِشَهَادَتِهِمْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْحَدِّ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ) بَعْدَ رُجُوعِ الْخَامِسِ (حُدَّا) لِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ فِي حَقِّهِمَا (وَغَرِمَا) أَيْ الرَّاجِعَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ (رُبُعَهَا) أَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ بَقَاءُ مَنْ شَهِدَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ فَبَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ مِنْ الدِّيَةِ (وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا كُلُّهُمْ) وَلَا يُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ زُفَرُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ.
(وَلَوْ) رَجَعَ وَاحِدٌ (بَعْدَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (قَبْلَ الْحَدِّ فَكَذَلِكَ) أَيْ حُدُّوا كُلُّهُمْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ)، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (الرَّاجِعُ فَقَطْ) وَلَا يُحَدُّ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّابِعِ كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ شَهِدُوا فَزُكُّوا فَرُجِمَ) بِكَوْنِهِ مُحْصَنًا (ثُمَّ ظَهَرُوا) أَيْ الشُّهُودُ (كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ الْمَرْجُومِ (عَلَى الْمُزَكِّينَ إنْ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ) وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَلَوْ ثَبَتُوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا وَقَالُوا أُخْطِئْنَا (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الدِّيَةُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ أَوْ لَا هَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَذَفُوا حَيًّا، وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ.
(وَلَوْ قَتَلَ أَحَدٌ الْمَأْمُورَ بِرَجْمِهِ) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَاءِ فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ شَخْصٌ عَمْدًا عُنُقَهُ (فَظَهَرُوا) أَيْ الشُّهُودُ (كَذَلِكَ) أَيْ كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا (فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ فَلَمْ تَجِبْ إلَّا الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِخِلَافِ مَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ خَطَأً مِنْ الْقَاضِي فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا وَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَيَّدَ بِقَتْلِ الْمَأْمُورِ بِرَجْمِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ قُضِيَ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَلِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ الشُّهُودُ بِتَعَمُّدِ النَّظَرِ) إلَى فَرْجِ الزَّانِي، وَالزَّانِيَةِ (لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُمْ النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ، وَالْقَابِلَةَ، وَالْخَافِضَةَ، وَالْخِتَانَ، وَالِاحْتِقَانَ، وَالْبَكَارَةَ فِي الْعُنَّةِ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ إلَّا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِلتَّلَذُّذِ فَلَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا لِفِسْقِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَلَوْ أَنْكَرَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَاءِ (الْإِحْصَانَ) بِأَنْ أَنْكَرَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَاقِلَةٍ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَعِنْدَهُمْ شَهَادَتُهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَإِنْ قُبِلَتْ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَلَهُمْ أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ عَنْ الزِّنَاءِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (أَوْ) يَثْبُتُ (بِوِلَادَةِ زَوْجَتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَكْرِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئَهَا وَأَنْكَرَتْ فَهُوَ مُحْسِنٌ دُونَهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْت نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِحْصَانِهِ دُونَهَا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

.بَاب حَدُّ الشُّرْبِ:

وَهُوَ نَوْعَانِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَيَكْفِي فِيهِ الْقَلِيلُ، وَلَوْ قَطْرَةً وَلَا يَلْزَمُ السُّكْرُ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ الْمُحَرَّمِ غَيْرِ الْخَمْرِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (مَنْ شَرِبَ خَمْرًا)، وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ الذِّمِّيَّ وَغَيْرَهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْأَخْرَسُ: وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُسْلِمٌ نَاطِقٌ مُكَلَّفٌ شَرِبَ خَمْرًا تَأَمَّلْ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ شَرِبَ (قَطْرَةً) وَاحِدَةً يَعْنِي بِلَا اشْتِرَاطِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَحُرْمَةَ غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ فَلَا حَدَّ إلَّا بِالسُّكْرِ مِنْهُ (فَأَخَذُوا رِيحَهَا) أَيْ: رِيحَ الْخَمْرِ (مَوْجُودٌ) أَيْ: حِينَ الْأَخْذِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَهُوَ سَكْرَانُ، أَوْ أَخَذُوهُ وَقَدْ شَرِبَ خَمْرًا وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْهُ فَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ مِنْهُ يَعْنِي الرَّائِحَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ يُحَدُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا عَنْ إقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَتْ الرَّائِحَةُ بِالْمُعَالَجَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ بِأَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ وَقَوْلُهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي أَخَذَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ (أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ)، وَلَوْ كَانَ سُكْرُهُ (مِنْ نَبِيذٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا إذَا سَكِرَ بِالْمُبَاحِ كَشُرْبِ الْمُضْطَرِّ، وَالْمُكْرَهِ، وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْعَسَلِ، وَالذُّرَةِ، وَالْبَنْجِ فَلَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَنْجَ مُبَاحٌ وَسُكْرُهُ حَرَامٌ وَلَا يُحَدُّ بِسُكْرِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يُحَدُّ بِمَا حَصَلَ مِنْ نَحْوِ الْأَفْيُونِ وَجَوْزِ بَوَاءٍ وَاخْتُلِفَ أَنَّهُ أَمُسْكِرٌ أَمْ لَا.
(وَشَهِدَ بِذَلِكَ) أَيْ: بِشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ (رَجُلَانِ)؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ لِلشُّبْهَةِ فَإِذَا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِشُرْبِ الْخَمْرِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ وَأَيْنَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَتَى شَرِبَ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الْعَدَالَةِ وَلَا يَقْضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ: بِالشُّرْبِ (مَرَّةً) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَزُفَرَ (مَرَّتَيْنِ) اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا) أَيْ: لَا مُكْرَهًا وَلَا مُضْطَرًّا كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (حُدَّ) جَوَابُ مَنْ شَرِبَ أَيْ: حُدَّ الْمَأْخُوذُ بِالرِّيحِ، أَوْ السُّكْرِ وَبُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ لِلتَّعْظِيمِ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ لِلَّهِ لِلْإِمَامِ، وَالْوُلَاةِ وَلِلْقُضَاةِ عِنْدَهُ فَلَا يَحُدُّ قَاضِي الرُّسْتَاقِ وَفَقِيهُهُ، وَالْمُتَفَقِّهَةُ وَأَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (إذَا صَحَا) فَلَوْ شَهِدُوا عَلَى السَّكْرَانِ لَمْ يُحَدَّ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ سُكْرُهُ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الِانْزِجَارِ (ثَمَانِينَ سَوْطًا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حُدَّ (لِلْحُرِّ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ عِنْدَهُ لِلْحُرِّ (وَأَرْبَعِينَ) سَوْطًا (لِلْعَبْدِ)؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (مُفَرِّقًا) ذَلِكَ (عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي) حَدِّ (الزِّنَاءِ)؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ إلَى أَنَّهُ يَتَوَقَّى الْمَوَاضِعَ الْمُسْتَثْنَاةَ فِي حَدِّ الزِّنَاءِ وَأَنَّهُ يَضْرِبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ مِثْلُ الْحَشْوِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ.
(وَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ: بِالشُّرْبِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا) قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةِ لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ كَمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا (لَا يُحَدّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا قُدِّرَ بِذَهَابِ الرَّائِحَةِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ، فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَرَجَّحَ فِي الْغَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي الْإِقْرَارِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ.
وَفِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْبَحْرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ دَأْبُهُ.
تَدَبَّرْ.
(وَلَا يُحَدُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الرَّائِحَةُ الْخَمْرُ، أَوْ تَقَيَّأَهَا) أَيْ: الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا، أَوْ مُضْطَرًّا، وَالرَّائِحَةُ مُحْتَمَلَةٌ أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ طَائِعٌ (أَوْ أَقَرَّ) بِالشُّرْبِ (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَصَارَ شُبْهَةً (أَوْ أَقَرَّ سَكْرَان) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ حَدٍّ كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَصِحُّ كَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ.
وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا.

.السُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ:

(وَالسُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ) هَذَا حَدُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ وَيَخْلِطَ فِي كَلَامِهِ) أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ سَكْرَانَ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ أَثَرِ السُّكْرِ فِي مَشْيِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الصَّاحِيَ رُبَّمَا يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ، وَالسَّكْرَانَ قَدْ يَتَمَايَلُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا (وَبِهِ) أَيْ: بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ.
وَفِي الْفَتْحِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ السُّكْرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ.
(وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ) مِنْهُ أَيْ: لَا يُعْتَبَرُ ارْتِدَادُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَالِاعْتِقَادِ قَضَاءً أَمَّا دَيَّانَةً، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ كُفْرٌ.
وَفِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ.

.بَاب حَدُّ الْقَذْفِ:

وَالْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ مُطْلَقًا وَفِي الِاصْطِلَاحِ نِسْبَةُ مَنْ أُحْصِنَ إلَى الزِّنَاءِ صَرِيحًا، أَوْ دَلَالَةً، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّافِعِيَّةُ مَا كَانَ فِي خَلْوَةٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْعَارِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لُحُوقُ الْعَارِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ (هُوَ) أَيْ: حَدُّ الْقَذْفِ (كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً) أَيْ: عَدَدًا، وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ (وَثُبُوتًا) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ مَرَّةً لَا النِّسَاءِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَيَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ، وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا وَعَلَى زَمَانِ الْقَذْفِ، وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَحَبَسَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَى قِيَامِ الْقَاضِي عَنْ مَجْلِسِهِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِزِنًى مُتَقَادِمٍ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَى.
(فَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَى) احْتِرَازٌ عَمَّا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُحْصَنٍ يَا زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ صَدَقْت لَا يُحَدُّ الْمُصَدِّقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْت، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ آخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ بِبَعِيرٍ، أَوْ بِثَوْرٍ، أَوْ بِحِمَارٍ، أَوْ بِفَرَسٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ زَنَيْت بِبَقَرَةٍ، أَوْ بِشَاةٍ أَوْ بِثَوْبٍ، أَوْ بِدَرَاهِمَ.
(حُدَّ) الْقَاذِفُ (بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَاشْتُرِطَ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ حَالَ الْقَذْفِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (مُتَفَرِّقًا) لِمَا مَرَّ (وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْقَاذِفِ (غَيْرُ الْفَرْوِ، وَالْحَشْوِ) أَيْ يُجَرَّدُ كَمَا يُجَرَّدُ فِي حَدِّ الزَّانِي؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ (وَإِحْصَانُهُ) أَيْ: الْمَقْذُوفِ (كَوْنُهُ مُكَلَّفًا) أَيْ: عَاقِلًا بَالِغًا فَخَرَجَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ (حُرًّا) فَخَرَجَ الْعَبْدُ، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا أَيْ ثَبَتَ حُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ (مُسْلِمًا) فَخَرَجَ الْكَافِرُ (عَفِيفًا عَنْ الزِّنَى) الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَلَوْ قَيَّدَهُ نَاطِقًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عِنْدَنَا لِلْأَخْرَسِ لِكُلِّ شَيْءٍ إشَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ مَعْهُودَةٌ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ إذَا أَفْهَمَ طَلَبَهُ بِإِشَارَتِهِ الْمَخْصُوصَةِ تَأَمَّلْ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْبُوبًا وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَلَا خَرْسَاءَ إذْ الْمَجْبُوبُ، وَالرَّتْقَاءُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ.
(وَلَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ إنْ) نَفَاهُ عَنْهُ (فِي غَضَبٍ) أَيْ مُشَاتَمَةٍ (حُدَّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُهُ فِي غَضَبٍ، بَلْ فِي حَالَةِ الرِّضَى (فَلَا) أَيْ: يُحَدُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلصُّورَتَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ صَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ خَصُّوا بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالُوا فَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِيهِ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ ضَرُورَةً وَاقْتِضَاءً وَلَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَكَانَ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَى ضَرُورَةً.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إنَّمَا حُدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ كَيَا زَانِيَةُ، فَالتَّقْيِيدُ لَغْوٌ، وَإِنْ قَالَ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ حُدَّ، وَإِنْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَذْفٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُ مِنْ أَبِيهِ وَنَفْيُ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ حَالِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ، وَالسَّخَاوَةِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَفِي الْحَالِ الْغَضَبُ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ انْتَهَى.
فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَأُمُّهُ مُحْصَنَةٌ وَخَالَفَ أَكْثَرَ الْمُعْتَبَرَاتِ بِتَعْمِيمِ الْغَضَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ إرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَالِ الْغَضَبِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَرِيمٌ، وَالِابْنُ بَخِيلٌ مَثَلًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ فِي حَالِ الْغَضَبِ تَهَكُّمًا لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ يُحَدُّ فِي حَالِ الْغَضَبِ تَدَبَّرْ.
، وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمُشَاتَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ.
(وَلَا يُحَدُّ لَوْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ) بِأَنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ، وَهُوَ جَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي نَفْيِهِ (أَوْ نَسَبَهُ إلَيْهِ) إلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا (أَوْ) نَسَبَهُ (إلَى عَمِّهِ، أَوْ خَالِهِ، أَوْ رَابِّهِ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: زَوْجِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى أَبًا مَجَازًا (أَوْ قَالَ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) فَإِنَّ فِي ظَاهِرِهِ نَفْيَ كَوْنِهِ ابْنًا لِأَبِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ، بَلْ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالصَّفَاءِ (أَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ النَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ الْوَاحِدُ نَبَطِيٌّ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تَأْبَى عَنْ قَصْدِ التَّشْبِيهِ فِيمَا يُوصَفُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا تَأْبَى عَنْ الْقَصْدِ إلَى مَعْنَى الصُّعُودِ فِي زَنَأْت فِي الْجَبَلِ انْتَهَى.
لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمَ بِهِ عَلَيْهِ (أَوْ لَسْت بِعَرَبِيٍّ) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِمَا مَرَّ.
وَفِي الْمِنَحِ لَوْ قَالَ لَسْت لِأَبٍ، أَوْ لَسْت وَلَدَ حَلَالٍ فَهُوَ قَذْفٌ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ قَاذِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِالزِّنَى، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَاذِفٌ، وَلَوْ قَالَ زَنَى فَخِذُك، أَوْ ظَهْرُك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ.

.قَذْفِ الْمَيِّتِ الْمُحْصَنِ:

(وَيُحَدُّ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ الْمُحْصَنِ) أَوْ الْمَيِّتِ الْمُحْصَنَةِ (إنْ طَالَبَ بِهِ الْوَالِدُ)، أَوْ جَدُّهُ، وَإِنْ عَلَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَالِدِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ الْأُمُّ كَذَلِكَ (أَوْ الْوَلَدُ، أَوْ) وَلَدُ (وَلَدِهِ)، وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إنْ طَالَبَ بِهِ الْأُصُولُ، وَالْفُرُوعُ، وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِمْ فَيَكُونَ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ مَعْنًى.
وَقَالَ زُفَرُ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ لَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ ذَلِكَ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَحْرُومًا عَنْ الْإِرْثِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يُورَثُ عِنْدَهُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ وَعِنْدَنَا لَا بَلْ يَثْبُتُ لِمَنْ يَلْحَقُ بِهِ الْعَارُ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْإِرْثِ بِالْكُفْرِ، وَالرِّقِّ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
(وَكَذَا) أَيْ: يُحَدُّ إنْ طَالَبَ بِهِ (وَلَدُ الْبِنْتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِزِنَى أَبِي أُمِّهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ.
(وَلَا يُطَالِبُ وَلَدٌ أَبَاهُ وَلَا) يُطَالِبُ (عَبْدٌ سَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) الْمُحْصَنَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَاقَبَانِ بِسَبِّهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْوَلَدِ الْفَرْعُ، وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ الْأَصْلُ، وَإِنْ عَلَا ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَبٌ وَنَحْوُهُ، وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

.ما يبْطلُ به حَدّ الْقَذْفِ:

(وَيَبْطُلُ) حَدُّ الْقَذْفِ (بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ، أَوْ بَعْدَهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي عِنْدَهُمْ كَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَعِنْدَنَا لَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ غَالِبٌ فِيهَا فَلَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِ (لَا) يَبْطُلُ (بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ) يَعْنِي مَنْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ، ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ حَقًّا فِيهِ فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ حُدُودٍ هِيَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا.

.الْعَفْوُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ:

(وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ) عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ (وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) أَيْ: أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا جَرَيَانَ فِي حَقِّ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ غَالِبٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ عَفْوِهِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي إقَامَتِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ بِالتَّقَادُمِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ، وَكَذَا لَوْ قَذَفَهُ بِحَضْرَتِهِ (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ قَائِلًا أَرَدْت بِهِ الصُّعُودَ (حُدَّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْنِ الصُّعُودَ يُحَدُّ اتِّفَاقًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ زَنَأَ بِالْهَمْزَةِ يَجِيءُ بِمَعْنَى صَعِدَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُ مُرَادَهُ، وَفِي مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى عَلَى وَلَهُمَا إنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ دَالٌّ عَلَى الْفَاحِشَةِ وَهَمْزَتُهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَقْلُوبَةً مِنْ الْحَرْفِ اللَّيِّنِ كَمَا يُلَيَّنُ الْمَهْمُوزُ وَدَلَالَةُ الْحَالِ دَاعِيَةٌ إلَى إرَادَةِ الْقَذْفِ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الصُّعُودُ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ فَلِذَا لَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقِيلَ يُحَدُّ.
وَفِي الْغَايَةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي إذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، وَالسِّبَابِ يَجِبُ الْحَدُّ وَإِلَّا فَلَا وَقَيَّدَ بِالْهَمْزَةِ إذْ لَوْ كَانَ بِالْيَاءِ وَجَبَ الْحَدُّ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَأْت يُحَدُّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ قَالَ) رَجُلٌ لِآخَرَ (يَا زَانٍ وَعَكَسَ) عَلَيْهِ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ (حُدَّا) أَيْ الْقَائِلَانِ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ لِامْرَأَتِهِ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ) الْمَرْأَةُ فَقَطْ (وَلَا لِعَانَ) عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ.
وَفِي الْبِدَايَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيَحْتَالُ لِلدَّرْءِ إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةَ بِنْتِ زَانِيَةٍ فَخَاصَمَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا فَحُدَّ الرَّجُلُ سَقَطَ اللِّعَانُ، وَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ يُحَدُّ الرَّجُلُ.
(وَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِ قَوْلِهِ لَهَا يَا زَانِيَةُ (زَنَيْت بِك)، أَوْ مَعَك (بَطَلَ الْحَدُّ أَيْضًا) أَيْ: كَمَا بَطَلَ اللِّعَانُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَى قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ لَا اللِّعَانُ وَاحْتِمَالُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ اللِّعَانُ لَا الْحَدُّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ لَا مِنْهَا فَجَاءَ الشَّكُّ هَذَا إذَا اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذِهِ، وَلَوْ زَادَتْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يُحَدَّ هُوَ، بَلْ هِيَ؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ، وَلَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ.
(وَإِنْ أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ) أَيْ: نَفَى نَسَبَهُ (يُلَاعِنُ)؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيَجِبُ اللِّعَانُ.
(وَإِنْ عَكَسَ) أَيْ: نَفَاهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (حُدَّ) أَيْ: الْمُنَافِي؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَمَا نَفَاهُ (وَالْوَلَدُ لَهُ) أَيْ: ثَبَتَ نَسَبُهُ لِلرَّجُلِ (فِي الْوَجْهَيْنِ) لِإِقْرَارِهِ سَابِقًا وَلَاحِقًا (وَلَا شَيْءَ) أَيْ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ (إنْ قَالَ) رَجُلٌ (لَيْسَ بِابْنِي وَلَا ابْنِك)؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا.
(وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ امْرَأَةٍ لَهَا وَلَدٌ) سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا (لَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ، أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَى، وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَلَا يُوجَدُ الْعِفَّةُ عَنْ الزِّنَى وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ بَطَلَ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ حُدَّ وَإِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقْطَعْ الْقَاضِي النَّسَبَ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (بِخِلَافِ) قَذْفِ (مَنْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِهِ) أَيْ: الْوَلَدِ لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَى.
(وَلَا) حَدَّ (بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَوَطْءِ) امْرَأَةٍ (فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَوَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْأَمَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ، وَالْمُكْرَهَ عَلَى الزِّنَى، وَالثَّابِتَ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ بِهِنَّ أَوْ جَمَعَ الْمَحَارِمَ، أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ (أَوْ) وَطِئَ (مَمْلُوكَةً حَرُمَتْ أَبَدًا كَأَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ.
(وَلَا) حَدَّ (بِقَذْفِ مُسْلِمٍ زَنَى فِي كُفْرِهِ) لِتَحَقُّقِ الزِّنَى مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ، وَالزِّنَى حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (مُكَاتَبٍ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ: تَرَكَ مَا لَا يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَا حَدَّ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَا وَجْهَ لِإِدْرَاجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ مَسَائِلِ وَطْءِ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَوَطْءِ الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ انْتَهَى.
لَكِنْ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ مُكَاتَبٍ تَأَمَّلْ.
(وَيُحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ وَطِئَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ، أَوْ) وَطِئَ (امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ)، وَكَذَا الْمُظَاهَرُ مِنْهَا، وَالْمُحَرَّمَةُ بِالْيَمِينِ، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ لَيْسَ بِالزِّنَى فَكَانَ مُحْصَنًا.
(وَكَذَا) أَيْ: يُحَدُّ بِقَذْفِ (وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَتَحْرِيمُهَا عَارِضٌ فَهِيَ كَالْحَائِضِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَيْهِ.
(وَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ مُسْلِمًا كَانَ قَدْ نَكَحَ مُحَرَّمَةً فِي كُفْرِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مُحَرَّمَةً صَحِيحٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ.
(وَيُحَدُّ مُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا فِي دَارِنَا)؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ.
(وَيَكْفِي حَدٌّ) وَاحِدٌ (لِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ جِنْسُهَا) كَمَا إذَا زَنَى مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً فَحُدَّ مَرَّةً يَكُونُ مِنْ الْجَمِيعِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ قَالَ يَا أَيُّهَا الزُّنَاةُ، أَوْ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِأَنْ قَالَ يَا زَيْدُ أَنْتَ زَانٍ يَا عَمْرُو أَنْتَ زَانٍ يَا خَالِدُ أَنْتَ زَانٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا قَذَفَهُمْ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى.
لَكِنْ الظَّاهِرُ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مُطْلَقًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَأَمَّلْ.
(لَا) يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ (إنْ اخْتَلَفَ) جِنْسُهَا يَعْنِي إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ لَكِنْ لَا يَتَوَالَى بَيْنَهُمَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ.